الخميس، 29 ديسمبر 2011

و . . وقعتْ في الحب ! - قصة قصيرة




( 1 )

تانكَ العينان الشفافتان . . !

لم تكونا شفافتين تحديدًا، بل بمسحة من اللون الفيروزيّ الباهت، ما جعلهما تبدوان تحت وهج الضوء، متألقتين!

تلاحقانها، تلِجان أعماقها، وتفضحانها!

وتوقعانها في حيرة . . !

أين هي الآن؟! ما عادت تدري!

لقد رأت هاتين العينين قبلًا .. كيف لها أن تنسى؟! لكن أين؟! لا تستطيعُ التركيز!

مشتتة، لا تستطيع حتى أن تتحول بوجهها بعيدًا عنهما!

شيءٌ ما فيهما .. شيءٌ ما فيهما .. يأسرها، يبعثر كيانها، يستحوذ على كل ذرة انبهارٍ فيها!

حتى تلكَ الفوضى التي تعمُّ المكان حولها، لم تُسعفها!

وكأنها انتقلت لبعدٍ آخر، في زمنٍ آخر، حيث لا أحد سواها .. إلا هو . . وعيناه!

كل ما حولها تلاشى، اندثر كأن لم يكن .. وأصبحت أسيرة عينيه!

ولا تدري لم هاتان العينان تحديدًا، وهي التي لم تقع أسيرة شيء قبلًا . . !

أهو ذاكَ الحزنُ الذي يموجُ داخلهما فتبحرُ فيه دونما مُوجّه؟! . . أم ذلكَ اللون الذي أحبته أكثر من أي لون آخر؟! . . أم لأنها ترى انعكاس روحها فيهما؟! . . هي لا تدري فعلًا!

بعض العيون عندما تراها، تشعرُ وكأنكَ رأيت ذاتًا سابقة لكْ، حدث أن خُلقت يومًا ما!

دون أن تشعر، بدأت خطواتها تتجه نحوه! هي ما عادت تتحكم بحواسها، لقد أعلنت التمرد عليها وها هي تتصرفُ طبقًا لما يمليه عليها قلبها من أوامر! . . " تلكَ الحواسُّ الخائنة "، ذاكَ كان صوتُ عقلها!

كان يقفُ وحيدًا . . وكأنه ما كان هنا إلا لأجلها، وكأنه ينتظرها منذ أبد الآبدين! يقفُ لأجلها، وملامحه لا تشيء بشيء، وعيناه تعمقُ في عينيها أكثر فأكثر . . !

انتفض عقلها على جبروت قلبها وأرغمها على التوقف، متزامنًا مع لمسة يدٍ خفيفة على كتفها .. كانت تلكَ والدة مها!

قالت:

ــ أوه، أين أنتِ حتى الآن؟! مها تتساءل إن فعلتِ ما طلبته منك!

ــ آسفة، لقد شردتُ قليلًا! سأكمل ما سألتني إياه وسأعود إليها بسرعة!

ــ أجل أسرعي يا ابنتي، فهي قد أنهت جميع تجهيزاتها!

أومأت لها بأنها ستفعل وحثت الخطى نحو مقدمة القاعة، صاعدة الدرج الذي يؤدي إلى مقعد العروسين!

وضعت ما تحمله بيديها كيفما أملت عليها مها، لفافةٌ هنا وأخرى هناك، وأخرتين على مقعد الإشبينيين!

مها دومًا ما كانت متطرفة في أفكارها، ومن منّا لم يكن؟!

أسرعت الخطى حيثُ تقبع مها، التفتت التفاتة بسيطة بينما تخرجُ من باب القاعة، وكانت تانكَ العينان في إثرها!


( 2 )


صدح صوت الموسيقى عذبًا، منسابًا، ومدغدغًا للأحاسيس! 

وصوت نانسي أعطى عمقًا أرقّ، مليئًا بالشجن . . !

فتحُ الباب، وتهادت مها بثوبها الأبيض، عروسُ الطهر تُزفُّ متأبطة ذراع فارس أحلامها!

"ما فيّ عيش إلا معكْ . . ما فيّ كون إلا إلكْ"

أضواءٌ خافتة . . حالمة . . وعشقٌ!

وعينان تبدوان الآن كزمردتين . . تنيرُ محالك تفكيرها!

تقدمت مها، لا يمكنها رؤية تفاصيل وجهها، لكن هالة السعادة تحوطها وتفيض على من حولها!

ونانسي مستمرة: "لون عيونك غرامي . . دخلكْ صدق كلامي . . قلبي وروحي معاك"

وقفت أمامه مباشرة، متواجهين . . !

أي صدفة تلكَ التي جعلت تانكَ العينان، دون غيرهما، تواجهان بعضهما .. كإشبين وإشبينة؟!

بعضُ الصدف، تغتال الواقع بغتة، وتستوطنه!

"لو عنك بعّدوني . . بتبقى وحدك بعيوني . . إحكيلي واسمعك"

وبدأت ابتسامة تأخذُ منحيناتها على صفحة وجهه! وذُهلتْ!

ما عادت ترى مها، الحضور، لا أحد!

تلك الابتسامة، غزتها، واحتلتها، ولم ترد حتى الثورة عليها!

ابتسامة سلبتها الحياة، ووهبتها إياها! وكأنها ما عاشت قبل أن ترى هذه الابتسامة!

كأن العالم يبتسم . . بأسى!

كيف لإنسان أن يجمع، شغف الدنيا كله، حزن الدنيا كله، رقة الدنيا كلها، في ابتسامة بعمق الحقيقة؟!

وهي مأخوذة، بغيبوبية الابتسامة!

نسيت أنه زفاف صديقتها المقربة، نسيت أنها إشبينتها، ونسيت أنها تقف مواجهة للحضور جميعًا، نسيت كل شيء . . عداه!

يحدث أحيانًا، أن تتربع المشاهد الفرعية على رأس الأهمية متجاوزة الحدث الرئيس!

ونانسي مأخوذة بتلكَ الابتسامة مثلها: "لو مهما صار ما ببقى لحالي . . ارميني بالنار أهون لي كرمالي"

أما رمتها تلكَ الابتسامة بالنار حالًا؟!

وأي نارٍ هذه . . !


( 3 )

 حانت فقرتهما . . !

فإحدى مخططات مها، المبالغ فيها، أن تجعل لكل حادثٍ، حديث!

رتبت فقرة حيثُ يتبادل فيها العريس والعروسُ الأسئلة والإهداءات والهدايا، . . وكذا الإشبينين!

وأعلن منسق الحفل أن حان سؤالها بقوله: "السيدات أولًا"!

سؤالٌ واحد يشغلُ بالها . .

ــ ما لون عينيه؟!

همست به، ولم تدرِ أن صوتها خرج عاليًا . . حدّ سمعه الجميع!

وسكت الحضور، استغرابًا لهكذا سؤال .. صمتٌ حائر نزل ضيفًا على المكان!

تنتحنح صاحب العينين الزمردتين، وقال:

ــ لون عينيه؟! لـون عيونِك غرامي . . !

مترنمًا بها . . !

وعمّ الضحكُ أرجاء القاعة، عداها!

ما انتبه سواها للكسر الذي ألصقه بالنون المفتوحة أصلًا . . لمهارته في إزالة الغرابة من عقول الجميع . . وللرسالة التي أوصلها إليّها!

أي صوتٍ مخمليّ هذا؟! هادئ، يشوب الحزن نبرته! بحة عميقة تجعله وكأنه آت من زمنٍ سحيقْ! صوتٌ يليق بهكذا بعينين وهكذا ابتسامة!

جاء دوره ليسأل، قال:

ــ سؤالٌ بسيط . . ماذا تتمنين؟!

تعالت أصواتُ الحضور مستغربة من بساطة هكذا سؤال، وأنه كان لا بد يسأل سؤالًا مميزًا .. بينما لم تبد هي أية ردة فعل!

كيف لسؤال بسيط كهذا أن يحوي كل هذا الكمّ من الحيرة . . والأجوبة؟!

إجابة واحدة سيطرته على تفكيرها: أنتْ . . !

بينما تعطل عقلها عن التفكير، قالت على عجلة:

ــ زمردة فيروزوية اللون . . !

وكأن لاوعيها يريد أن يثبت شيئًا . . أليس الزمرد رمزُ الحب الصادق، النقيّ . . ؟!

أخرج علبة من جيب سترته البيضاء، وقدمها إليها قائلًا:

ــ هاكِ إياها . . !

صفّق الحضور بقوة، ظنّوا أنه مشهد تم ترتيبه بينهما! وحدهما كانا يعلمان أن القدر الذي جمعهما كان أقوى من أي ترتيب!

أخذت منه الهدية المغلفة بعناية بيد مرتجفة، شاكرة إياه بصوت لا يُسمع!

وحان وقتها لتقدم له هديتها .. هدية كانت قد اختارتها مع مها قبل الزفاف!

أهدته ذاكَ العطر الرجالي الذي دومًا ما احتفظت بزجاجة منه في غرفتها سرًا! وكأنها تحاولُ أن تضع بصمة عليه، ولو بعطر! 


( 4 )


دُعيت مها وزوجها ليفتتحا الإهداءات الغنائية بينهما!

الحبُ الذي كان يجمعُ بينهما، كان أنيقًا . . !

حبٌ لا يعترف بالدونية، ولا بالفراق . . حبٌ توّج بالزواج!

كانت قد رتبت مع مشغّل الموسيقى أن يُهدى باسمها أغنية "الله بقى اللخبطة دي ليه" . . !

ما ظنت لحظة أن الكلمات قد تطابقُ ما تشعر به، بل ولم ترتب للأمر .. كلُ الحكاية أنها تحبُ هذه الأغنية!

"الله بقى اللخبطة دي ليه؟ . . ياللي خاطفني يا ريت تقولي . . ايه حصل لي ع كدا . . بقى دا اللي بالملّي . . اللي انا عشت أحلم بيه"

انتهت أغنيتها، وسمعت صوت الرجل المسؤول يقول:

ــ والآن، إهداءُ الإشبين للإشبينة . . !

و . .

"أنا شكلي ححبك ولا ايه . . ايه! في حاجة في قلبي جديدة عليه . . ايه! قلبي مسهرني . . قلبي محيرني . . أنا ايه غيرني وبسأل عنك، بسأل ليه"

لا تستطيع أن تنكر أن قلبها انتشى وهي تستمعُ لإهداءه لها وهي تقبعُ في مقعدها . . !

لا تدري بم تفكر، وكيف يجبُ أن تكون ردة فعلها، وماذا سيحدث بعد اليوم؟! أسئلة كثيرة تغازلها أجوبتها دونما أن تسمح لها بضمها بين يديها!

رأت واحدة من صديقاتها القدامى اللواتي لم تتقاطع طرقهنّ منذ سنين تتقدم نحوها، وبطنها تتقدمها . . !

ــ راحيـــل، أين أنتِ يا فتاة؟! اختفيتي من على وجه الأرض فجأة!

ــ رباب، لم أركِ منذ مدة!! وعانقتها . . !

قالت لها:

ــ تزوجتِ وحملتِ كما أرى . . مبروك، وأتمنى لك السلامة!

ــ شكرًا لكِ .. ما أخبرتني، ما رأيك في الخاتم الزمردي الذي جاءكِ هدية اليوم؟!

ــ إنه جميل .. ذوق صاحبه راقٍ!

ــ أوه فعلًا؟! سعيدة أن أعجبكِ . . أنا من اخترته!!

هي من اختارته؟!!!!

ــ لم أفهم، ماذا تعنين؟!

ــ لقد أردتُ أن أعيد ذات المشهد الذي كان سببًا لوقوعي في الحب، ووجدتُ الفرصة مناسبة، ولم أكن أدري . . .

ما عادت تستوعبُ حديثها، لم تسمع ما تقول، ولا تريد أن تسمع . . ما الذي تعنيه بكل كلامها وأن هي من اختارته؟! ما الذي تود  إعادته؟! تبدو وكأنها لا تدرك ما تتحدث عنه، أو أنها لا تعييه . . !

أشارت لرجل مرّ قريبًا منها، لم يكن إلا صاحب العينين الزمردتين . . !

قالت:

ــ تعال أعرّفكَ براحيـل، هذه صديقتي منذ أيام الثانوية . . وهذا هو مــازن . . زوجي!

رأت في عينه نظرة ألم، إحساسٌ بالذنب، حبٌ مستتر، ومشاعر محكومٌ عليها بالفناءْ!

ز.. و..جـها . .؟!

بالتأكيد . .

لا شيء سيحدث بعد اليوم  . .

لا شيء . .

!


( * ألسنا نصبغُ ما حولنا . . بشيءٍ من واقعٍ محشورٌ في فمه أمنيات يحاول تقيؤها ؟! . . )


* شكْر . .

ــ الشكرُ للجميلة " للذكرى حنين "، لكثير من وقتها وجهدها، ودعمها المتواصل .. لا هنتِ !

ــ الشكرُ للرفيقة " Dragonier " لمساعداتها الكثيرة، جُزيتِ كل الخير !

ــ الشكرُ لأختي، فعلًا، " غسقْ ~, " والتي أضافت لمساتها السحرية، سعيدةٌ بكِ !

ــ الشكرُ لكل من آزرني، دعمني، وأعطاني دفقًا من حماس، إخوتي، ابنة خالتي، وصديقاتي . . أشكركم جميعًا !